معاناة خلف الأسوار.. تقرير حقوقي يكشف سوء أوضاع السجينات السياسيات في إيران

معاناة خلف الأسوار.. تقرير حقوقي يكشف سوء أوضاع السجينات السياسيات في إيران
سجن إيفين

كشفت لجنة المرأة التابعة للمجلس الوطني لحماية حقوق الإنسان في إيران، في تقرير لها الخميس، عن صورة قاتمة لأوضاع السجينات السياسيات داخل السجون، مؤكدة أن الاحتجاز تحول إلى أداة ضغط ممنهجة لإسكات الأصوات المعارضة، في ظل حرمان واسع من الحقوق الأساسية وغياب الحد الأدنى من المعايير الإنسانية، ما يفاقم مخاوف العائلات على مصير بناتهن وزوجاتهن.

ويأتي هذا التقرير في وقت تتزايد فيه الانتقادات الدولية لأوضاع حقوق الإنسان في إيران، وسط تقارير متكررة عن انتهاكات تطول النساء بشكل خاص، سواء داخل السجون أو خارجها، حيث تتحول السجينات السياسيات إلى ضحايا مزدوجات للقمع السياسي والتمييز القائم على النوع الاجتماعي، وفق وكالة أنباء المرأة.

وأشار التقرير إلى أن السلطات الإيرانية تستخدم الاعتقال التعسفي بحق النساء الناشطات والمعارضات كوسيلة لإخماد أي صوت ناقد أو مطالب بالإصلاح. 

سلسلة من الممارسات القمعية

ولفت إلى أن هذه السياسة لا تقتصر على سلب الحرية، بل تترافق مع سلسلة من الممارسات القمعية التي تهدف إلى كسر الإرادة النفسية والجسدية للسجينات.

وتشمل هذه الممارسات، بحسب التقرير، الحرمان من الرعاية الصحية المناسبة، والتضييق المتعمد على التواصل مع العائلات، إضافة إلى ظروف احتجاز قاسية تفتقر إلى أبسط مقومات الكرامة الإنسانية. 

وتؤكد اللجنة أن هذه الإجراءات تشكل انتهاكا واضحا للمعايير الدولية الخاصة بمعاملة السجناء.

تفاصيل صادمة من سجن إيفين

تناولت لجنة المرأة في تقريرها الجديد أوضاع السجينات السياسيات في سجن إيفين بالعاصمة طهران، أحد أكثر السجون شهرة وارتباطا بقضايا المعتقلين السياسيين، وأوضح التقرير أن نحو 60 سجينة سياسية محتجزات في قبو رطب داخل السجن، في ظروف توصف بأنها غير إنسانية وخطيرة على الصحة.

وبيّن التقرير أن السجينات محرومات من الحصول على العلاج الطبي المتخصص والأدوية الضرورية، حيث ترفض إدارات السجن طلبات العلاج بشكل متكرر، حتى في الحالات التي تستدعي تدخلا عاجلا، كما يتم تقييد نقل الحالات الصحية الحرجة إلى المستشفيات خارج السجن، ما يعرض حياة العديد منهن لمخاطر حقيقية.

وسلّط التقرير الضوء على غياب النظافة داخل الزنازين، مؤكدا أنها لا تُنظف بشكل منتظم، الأمر الذي يزيد من احتمالات انتشار الأمراض، خاصة في ظل تزايد أعداد المحتجزات وضيق المساحات، وأشار إلى أن انعدام الإجراءات الوقائية والصحية يحول أماكن الاحتجاز إلى بيئة خصبة للأوبئة والأمراض الجلدية والتنفسية.

وأضاف أن أبواب الزنازين تبقى مغلقة لساعات طويلة يوميا، ما يحرم السجينات من الحركة والتهوية، ويضاعف معاناة المسنات والمريضات، ولا سيما المصابات بأمراض مزمنة مثل السكري وأمراض القلب والجهاز التنفسي، واعتبرت اللجنة أن هذا الإغلاق المطول يشكل شكلا من أشكال العقاب الجماعي غير المعلن.

عزلة وغياب المعلومات

أعرب التقرير عن قلق بالغ إزاء انقطاع المعلومات بين السجينات وعائلاتهن، موضحا أن إدارة سجن إيفين لم تقدم حتى الآن أي بيانات رسمية حول الأوضاع الصحية أو ظروف الاحتجاز، ويؤدي هذا الغموض المتعمد إلى زيادة الضغط النفسي على الأسر، التي تعيش حالة دائمة من القلق والخوف.

وأكدت لجنة المرأة أن حرمان العائلات من الحق في الاطلاع على أوضاع السجينات يعد انتهاكا إضافيا، ويشكل جزءا من سياسة أوسع لعزل المعتقلات عن محيطهن الاجتماعي، في محاولة لإضعاف أي تضامن أو دعم خارجي.

ويرى التقرير أن السجينات السياسيات في إيران يدفعن ثمنا باهظا لمواقفهن، حيث يتحول السجن إلى مساحة لمعاقبة الفكر والرأي، وليس فقط إلى أداة قانونية لتنفيذ أحكام قضائية، وأشارت اللجنة إلى أن النساء المعتقلات غالبا ما يواجهن ضغوطا مضاعفة مقارنة بالرجال، بسبب الأدوار الاجتماعية والأسرية التي يتحملنها.

وأضاف التقرير أن هذه الانتهاكات لا تؤثر فقط على السجينات أنفسهن، بل تمتد آثارها إلى عائلاتهن، خاصة الأطفال الذين يحرمون من أمهاتهم في ظروف قاسية وغير واضحة المعالم.

دعوات للمساءلة والتحرك الدولي

دعت لجنة المرأة التابعة للمجلس الوطني لحماية حقوق الإنسان في إيران إلى فتح تحقيقات مستقلة حول أوضاع السجينات السياسيات، مطالبة المنظمات الدولية والهيئات الحقوقية بالضغط على السلطات الإيرانية للالتزام بتعهداتها الدولية في مجال حقوق الإنسان.

وشددت على ضرورة ضمان وصول السجينات إلى الرعاية الصحية الكاملة، وتحسين ظروف الاحتجاز، والسماح بالتواصل المنتظم مع العائلات، باعتبار هذه الحقوق غير قابلة للتفاوض أو التقييد.

يعد سجن إيفين واحدا من أبرز رموز الاعتقال السياسي في إيران منذ عقود، حيث يحتجز فيه معارضون سياسيون ونشطاء حقوقيون وصحفيون، وتواجه إيران انتقادات مستمرة من منظمات حقوق الإنسان الدولية بسبب سجلها في معاملة السجناء، خاصة النساء، وسط اتهامات باستخدام الاعتقال التعسفي والتعذيب النفسي والإهمال الطبي كأدوات للضغط السياسي.

وتشير تقارير أممية سابقة إلى أن أوضاع الاحتجاز في عدد من السجون الإيرانية لا تتوافق مع قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، المعروفة بقواعد نيلسون مانديلا، ما يجعل قضية السجينات السياسيات جزءا من أزمة أوسع تتعلق بحقوق الإنسان وسيادة القانون في البلاد.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية